المعالم المعمارية في القدس المملوكية

30-04-2019
كتيبات المحافظة على التراث المعماري والهوية الثقافية

تمتلئ مدينة القدس بكنوزٍ تاريخيةٍ عظيمةٍ و معالم أثريةٍ تعود إلى حضاراتٍ تعاقبت على ترك بصمتها على مدار قرون عدة، فنجد آثاراً رومانيةً و أمويةً و صليبيةً و أيوبيةً و مملوكيةً و أخرى عثمانيةً متناثرة في أكنافها في منظرٍ يـفـتـن عـين الناظر ويـثـيـر الـدهـشة و الشجون و يهيّج الإحساس بالحنين.

إن توالي المآسي و المصائب على العالم الإسلامي من حروب المغول و الحملات الصليبية، واكبه بزوغ نجم المماليك كقائد منقذ للحضارة الإسلامية، فأَوْلَوا القدس اهتماماً يليق بمكانتها الدينية و الروحية و أعادوا لها بريقها المفقود. ولقد تميزت الحضارة المملوكية و هندستها المعمارية عن غيرها من الحضارات ببراعتها و نظرتها الجمالية، حيث تكاد لا تخلو أزقة و شوارع القدس من رباطٍ أو مدرسة أو خانقاه أو تربة مملوكية البناء. 
يجد السائر في القدس نفسه أمام مبانٍ تاريخية مملوكية كانت قد رُممت لتستوعب قاطنيها من السكان العرب في محاولةٍ ثمينةٍ لمقاومة عمليات التهجير الإسرائيلية للسكان المقدسيين و إحياء مفهوم الرباط الإسلامي على الثغور و محاربة ممارسات التهويد المستمرة لطمس معالم الحضارة الإسلامية و محو آثارها. فقدسنا اليوم لم تعد كقدس الأمس، فغدت مدارسها ومختلف أوقافها بيوتاً سكنية تحتضن العائلات المقدسية.
إن هالة الحزن التي تخيم على هذه المدينة منذ أن ابتليت بالاحتلال الصهيوني، تبددها دعوات قاطنيها للزائرين للدخول إليها، وأصوات لعب الأطفال في ساحات مساكنهم راسخة القدم، و رائحة طهي الطعام المقدسي الفواحة، فتجد أُصُص الزرع و الأزهار في زواياها و جدرانها و آثار محاربها المزخرفة التي تضفي جواً من السكينة إلى البناء. كما نجد بعض المباني و قد أضيفت فيها غرف و إنشاءات جديدة لتضفي مزيداً من الخصوصية و الراحة لقاطنيها، فتغيرت معظم معالم البناء الداخلية وتغيرت استعمالاته و يبقى إحساسنا بالقدم والعراقة والانتماء.
ما فتئت ذكرى عمر بن الخطاب و معاوية وصلاح الدين و سليمان القانوني ماثلةً في ذاكرة قدسنا، و لا يزال مرابطوها في مبانيها، و أصوات مآذنها و أجراس كنائسها تتردد في جنباتها في إشارة صمود ٍأزليٍ في وجه كل مغتصبٍ غاشم.
إن خطط وزارة الأوقاف و المقدسات الإسلامية و باقي المؤسسات الخيرية في تثبيت الوجود الديموغرافي العربي و الحفاظ على المباني التاريخية من الاندثار هي أملنا الحي بمستقبل القدس وبقائها. فبعد ما ينيف عن سبعة عقود من الاحتلال الصهيوني لا تزال القدس تزهى بمجدها الغابر و تخاطب الحاضر قائلة: "ما زال في القدس قلبٌ عربيٌ ينبض".

 

تم نشر الكتيب في العام ٢٠١٩٫ ٫ يتوفر الكتيب بالغتين العربية و الإنجليزية 

 

 

 

 

4 Views