احياء البلدة القديمة في نابلس

21-04-2014

احياء البلدة القديمة في نابلس

تعتبر مدينة نابلس ومنذ الآف السنين مركزاً تجارياً وثقافياً رئيسياً في فلسطين ولا زال نسيجها العمراني يزخر ببصمات حضارات تعاقبت عليها تتشابك بين مبانيها وازقتها آثار العمارة الرومانية والبيزنطية والمملوكية وغيرها. وبرغم سنوات من الاهمال والكوارث الطبيعية والحروب فلا زالت البلدة القديمة تحمل سحراً وطابعاً مميزاً بين طياتها ولا زالت تلعب دوراً تجارياً وثقافياً هاما في حياة المجتمع النابلسي والفلسطيني.

وإدراكا من مؤسسة التعاون للأهمية التراثية والعمرانية للبلدة القديمة في نابلس ونظراً للدمار الذي تعرض له الكثير من مبانيها وصروحها العمرانية خلال الاجتياحات الاسرائيلية الشرسة والمتعاقبة منذ عام 2002، ارتأت المؤسسة ان تبدأ في تنفيذ برنامج لاحيائها مماثلاً لبرنامج اعمار البلدة القديمة في القدس بانية على تجربة ونجاح فريقها الفني (OCJRP) في القدس.

وقد توجهت المؤسسة في عام 2006 للصندوق العربي للانماء الاقتصادي والاجتماعي (والذي دعم برنامج اعمار البلدة القديمة في القدس منذ انشائه في عام 1995 ولا زال) لتمويل عدد من مشاريع الترميم والتأهيل في البلدة القديمة في نابلس يشمل الاحياء السكني واعادة اعمار المباني المدمرة والتطويع الوظيفي للمباني لاستخدام مؤسسات مجتمعية وثقافية وتربوية. وقد قام الصندوق العربي مشكوراً منذ عام 2006 بدعم مبادرة مؤسسة التعاون من خلال تمويل عدد من المشاريع التي تهدف لحماية الموروث العمراني في البلدة القديمة وتحسين الظروف المعيشية للسكان والمساهمة في اعادة بناء وترميم المعالم التاريخية والاثرية التي تضررت من التوغل والقصف الاسرائيلي او عانت من سنوات من الاهمال وقلة الصيانة وسوء الاستخدام.

وقد قام الفريق الفني لبرنامج الاعمار في مؤسسة التعاون (OCJRP) بإعداد المقترحات الفنية للتمويل بالتنسيق مع بلدية نابلس واللجنة الاهلية وعدد من المؤسسات المحلية. وقد شملت المقترحات التي اعدتها المؤسسة اضافة الى مشاريع الترميم والتأهيل مقترح لاعداد خطة احياء متكاملة للبلدة القديمة تعتمد على كافة الدراسات القطاعية التنموية اللازمة لتطويرها واحيائها وذلك بالتوازي مع القيام بمسح شامل لكافة مبانيها وتوثيقها لاعداد قاعدة بيانات وادخالها على نظام المعلومات الجغرافي GIS اسوة بما تم اعداده للبلدة القديمة في القدس.

وقد قام الصندوق العربي للانماء الاقتصادي والاجتماعي بتمويل معظم هذه النشاطات اضافة الى عنصر لتدريب المهندسين والعمال على اساليب الترميم حسب القوانين الدولية للحفاظ على التراث وذلك إما بتمويل مباشر لمؤسسة التعاون او من خلال ادارة البنك الاسلامي للتنمية.

خطة احياء البلدة القديمة في نابلس:

تم تشكيل فريق عمل متخصص من الخبراء المؤهلين في كافة القطاعات بما فيها الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية ووضع السكان والاسكان والبنية التحتية والمواصلات والشؤون القانونية المتعلقة بالعمل في البلدة  القديمة وكذلك وصف للتطور التاريخي والعمراني للبلدة على مدى العصور.
وكانت مهمة الفريق تقييم الاحتياجات لكل قطاع بناء على مسوحات ميدانية ودراسات وتحليل البيانات ومن ثم وضع التوصيات لتطوير هذه القطاعات واشتملت الخطة على تحديد عدد من المشاريع واعداد وثائق مفصلة مع تقديرات لكلفة التنفيذ.
وتم اعداد كافة الدراسات والوثائق بالتعاون المكثف والتنسيق المستمر مع بلدية نابلس واقسامها المختلفة. كما تم مراجعة نتائج الدراسات عدة مرات في ورشات عمل ومن ثم في ندوة خاصة شاركت بها العديد من المؤسسات الرسمية وغير الرسمية والمختصين في المجالات المختلفة.
وقد ساهم خبراء من وزارة السياحة والآثار بمراجعة المسح الميداني الشامل الذي تم اجراءه لاعداد قاعدة البيانات للبلدة القديمة بتصنيف ما يزيد على مئتي موقعاً تراثياً مميزاً في البلدة القديمة.
وتم الانتهاء من طباعة الخطة مع نهاية عام 2011 وسيتم الانتهاء من طباعتها باللغة الانجليزية في مطلع عام 2012.

مشاريع الترميم واعادة التأهيل:

وفي غضون ذلك، بدأ الفريق في تنفيذ مشاريع الترميم والتأهيل، وفيما يلي موجز لبعض الامثلة للمشاريع المنفذة:

- الوحدة الفنية (منزل عرفات):

 

قام المكتب الفني بتطويع منزل قديم مكون من طابقين لاعادة استخدامه كوحدة فنية لاستخدام البلدية لفريقها الفني الذي يشرف على مشاريعها في البلدة القديمة. وهدف المشروع الى تحسين الاوضاع الفيزيائية والانشائية لمختلف مكونات المبنى وتأهيل الساحات الداخلية مع الحفاظ على البلاط الاصلي التقليدي، "السجادة"، فضلاً عن ترميم العناصر الخشبية داخل المبنى، بما في ذلك المشربيات الاصلية والقواطع والاقسام الخشبية الداخلية وعند الانتهاء من مشروع الترميم، انتقلت البلدية مع فريقها الفني العامل في البلدة القديمة الى الطابق الاول من المبنى في حين انتقلت اللجنة الاهلية لمحافظة نابلس الى الطابق الثاني.

- اعادة اعمار حوش الشعبي: 

يعتبر هذا المشروع من اكبر التحديات التي واجهت فريق مؤسسة التعاون حيث تم تدميرهذا الحوش بشكل كامل خلال القصف الاسرائيلي عام 2002 وكانت تقطنه 18 عائلة. حيث قام فريق (OCJRP) بتنفيذ مشروع اعادة الاعمار على ثلاثة مراحل بدءاً من ازالة حذرة للانقاض وحطام البيوت المدمرة. ونظراً لعدم وجود دراسة معمارية موثقة للمجمع اتخذ الفريق الترتيبات اللازمة لعقد عدد من الاجتماعات مع الاسر لتحديد حجم وشكل كل وحدة سكنية وحدودها. وتم اعداد مخططات المسح (الافتراضي) الذي اجراه الفريق بناء على المعلومات التي جمعت من السكان وتم تنقيحه بعد مراجعة السكان للمخططات كما تم بناء نموذج D3 لتمكينهم من فهم المشروع بشكل افضل وقد تم استشارة العديد من الخبراء المحليين والدوليين المختصين في التدعيم الانشائي قبل البدء بإعادة الاعمار للاجزاء المدمرة. وبعد تدعيم الاساسات والطوابق السفلية، تم تركيب شبكات جديدة شاملة للبنية التحتية، واعادة بناء الوحدات السكنية وكافة المرافق من حمامات ومطابخ والمداخل الخاصة بالمساكن كما تم اعادة تأهيل الساحات والفراغات الاصلية وتحسينها.
وبالرغم من ان العديد من السكان الاصليين قد عادوا الى المجمع عند الانتهاء من اعمال البناء للسكن في منازلهم بعد اعادة بنائها الا ان البعض من الذين استقروا بعد مرور ثماني سنوات على تدمير بيوتهم في منازل مختلفة لم يعودوا لهذه المنازل وتسعى البلدية اليوم لبحث امكانية استخدام الوحدات المتبقية للعائلات المحتاجة بعد الانتهاء من المواضيع القانونية.

- حوش دروزة: 

 

هو ايضاً من المشاريع المعقدة التي عانت من اضرار جسيمة بعد الاجتياح والقصف الاسرائيلي وقد اضطرت العائلات الخمسة التي كانت تقيم في هذا المجمع لترك منازلهم بعد تدميرها واصبحت الاجزاء المتبقية منها تشكل خطراً على المباني المجاورة.
بدأ الفريق والمقاول المختص في التدخل في اعادة الاعمار، بازالة حذرة للانقاض والركام وتم استشارة عدد من الخبراء المحليين والدوليين في مجال التصدعات الانشائية في المباني التاريخية للمساعدة لاعادة بناء وتصميم العناصر الانشائية الجديدة وتدعيم اجزاء الحوش المتبقية بعد التدمير واجريت اجتماعات مكثفة ومقابلات مع السكان الاصليين لتحديد التخطيط الاصلي للمجمع. وتم اعادة اعمار الوحدات السكنية والاجزاء المهدمة وبناء الاسقف بناء الاسقف بالاسلوب الاصلي التقليدي المصلب وباستخدام طرق البناء التقليدية وعادت الخمس اسر الاصلية الى المجمع بعد الانتهاء من ترميمه.

- تأهيل ساحة آل الجيطان (شبه عامة): 

تقع هذه الساحة في قلب البلدة القديمة، وهي تشكل مدخلاً لعدد من الوحدات السكنية المحاطة بالمحلات التجارية ومنافذ البيع. وكانت الساحة في حالة سيئة جدا ومليئة بالنفايات والانقاض، مما يعيق الوصول إلى المنازل والمحلات التجارية. وشمل المشروع إعادة تأهيل وتحديث البنية التحتية للساحة، بما في ذلك توفير وصلات الخدمات للمنازل. وقد استخدم الحجر الملون للتبليط، مع توفير المقاعد الخشبية والحديدية حول الساحة لخلق بيئة ممتعة لاستخدام سكان الحوش وجيرانهم.

- مشروع اعادة تاهبل ساحة الحبلة (ساحة عامة):

وتقع الساحة في احد أقدم الأحياء في البلدة القديمة في نابلس، وقد عانت مثل غيرها من مناطق البلدة القديمة من آثار القصف والحصار. وقد تم اختيار الموقع لتزويد المجتمع ببيئة طبيعية جذابة. تمت إزالة الانقاض والقمامة وذلك بالتعاون مع وزارة السياحة والآثار. للحفاظ على الآثار التي تم العثور عليها في طبقات سفلى للساحة وتم اضافة النباتات والإضاءة والبلاط الملون، لخلق بيئة آمنة وجذابة في وسط البلدة القديمة لاستخدام كافة سكانها.

- إعادة استخدام بناء أل النابلسي وإعادة تأهيل الساحة:

هو مشروع شمل إعادة تأهيل وترميم منزل النابلسي – وهو مبنى مكون من ثلاثة طوابق  مع فناء تم شراؤه من قبل البلدية للاستخدام العام. وشمل المشروع تطوير شبكات الخدمات وترميم الاجزاء التاريخية، وحل مشاكل الرطوبة وتسرب المياه ، وإعادة تأهيل الحدائق والفناء. سيتم الآن استخدام المبنى بعد ان انتهى من ترميمه من قبل المنظمات غير الحكومية التي تقدم الخدمات الاجتماعية والثقافية لسكان البلدة القديمة ونابلس بشكل عام.

- احياء حي سكني (Neighbourhood Renewal) (حوش عبيد):

 

بعد بضع سنوات من تنفيذ مشاريع الترميم والتأهيل لاستخدام المساكن والمؤسسات، قرر فريق OCJRP العمل على نحو أكثر شمولاً في مشاريع ترميم وتأهيل المساكن والاحواش. وبعد الاتفاق مع البلدية، بدأ الفريق يخطة للتدخل في احياء معينة تقع في المناطق السكنية الكبيرة، والجمع بين الترميم وإعادة تأهيل المجمعات السكنية وتطوير البنية التحتية الخارجية ، فضلا عن شبكات الخدمات الداخلية. يقع الحي الذي تم اختياره في حارة الفيسارية في البلدة القديمة من نابلس، التي تعتبر واحدة من المناطق الاكثر فقرا في المدينة. يضم مشروع الاحياء 22 وحدة سكنية تقع في 6 مجمعات سكنية، والتي كانت في وضع فيزيائي وبيئي متدهور. وتضمن المشروع ترميم المساكن وتأهيل البنية التحتية وتوفير مناطق للجلوس وساحات خارجية، مع توفير ملاعب صغيرة للأطفال. وبحلول نهاية عام 2011، تم استكمال 20 وحدة وعاد معظم السكان إلى بيوتهم وسينتهي العمل في الوحدتين المتبقيتين في مطلع عام 2012.

كما ساهمت مشاركة السكان في عملية صنع القرار اثناء مراحل التصميم والتنفيذ في نجاح المشروع وكذلك قام عدد منهم بالعمل مع المقاولين خلال عملية التنفيذ وتعتبر مساهمة السكان في تنفيذ هذا المشروع ضمان لديمومة ونجاح المشروع.

هدف المشروع الى تحسين الظروف المعيشية لهذه الأسر، وتقديم أفضل الخدمات لهم، وخلق أماكن جماعية تتشارك بها الأسر، وحماية القيمة التاريخية للمباني من خلال تدخل شمولي لكافة العناصر التي ستضمن احياء وتطوير هذا الحي. وأخيرا، مع ان الحوش يبدو الآن وكأنه جزيرة غريبة في وسط المناطق المحيطة به الا أنه يشكل النموذج الذي سيجلب الأمل والحماس لتطوير مناطق مماثلة في البلدة القديمة، ولحماية المباني التاريخية واحيائها وتعزيز الاواصر الاجتماعية بين سكانها.

توفر برامج اعمار البلدة القديمة في مؤسسة التعاون في البلدة القديمة في القدس ونابلس مثالا للتعاون بين عدد من الشركاء، وتعاون ومشاركة المؤسسات المحلية والرسمية وغير الرسمية، بالاضافة الى السكان، والزوار، والأكاديميين والجهات المانحة، مما يضمن نجاح واستدامة هذه البرامج.